عوالم العلوم و المعارف و الأحوال من الآیات و الأخبار و الأقوال , جلد۱۷ , صفحه۲۸۴
عنوان باب : الجزء السابع عشر 13 - أبواب ما جرى عليه عليه السّلام بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية عليهما اللعنة إلى شهادته و أولاده و أصحابه، و لعنة اللّه على ظالميهم و قاتليهم و الراضين بقتلهم و المؤازرين عليهم إلى يوم الدين 1 - باب ما جرى عليه عليه السّلام بعد بيعة الناس ليزيد إلى شهادته الكتب:
قائل : امام حسین (علیه السلام)
أقول: في بعض تأليفات أصحابنا: أنّ العبّاس لما رأى وحدته عليه السّلام أتى أخاه و قال: يا أخي هل من رخصة؟ فبكى الحسين عليه السّلام بكاء شديدا ثمّ قال: يا أخي أنت صاحب لوائي و إذا مضيت تفرّق عسكري ،فقال العبّاس: قد ضاق صدري و سئمت من الحياة و اريد أن أطلب ثأري من هؤلاء المنافقين. فقال الحسين عليه السّلام: فاطلب لهؤلاء ا لأطفال قليلا من الماء، فذهب العبّاس و و عظهم و حذّرهم فلم ينفعهم فرجع إلى أخيه فأخبره فسمع الأطفال ينادون: العطش العطش! فركب فرسه و أخذ رمحه و القربة و قصد نحو الفرات فأحاط به أربعة آلاف ممّن كانوا موكّلين بالفرات، و رموه بالنبال فكشفهم و قتل منهم على ما روي ثمانين رجلا حتّى دخل الماء. فلمّا أراد أن يشرب غرفة من الماء ذكر عطش الحسين عليه السّلام و أهل بيته، فرمى الماء و ملأ القربة و حملها على كتفه الأيمن، و توجّه نحو الخيمة، فقطعوا عليه الطريق و أحاطوا به من كلّ جانب، فحاربهم حتّى ضربه نوفل الأزرق على يده اليمنى فقطعها، و حمل القربة على كتفه الأيسر فضربه نوفل فقطع يده اليسرى من الزند، فحمل القربة بأسنانه فجاءه سهم فأصاب القربة و اريق ماؤها، ثمّ جاءه سهم آخر فأصاب صدره، فانقلب عن فرسه و صاح إلى أخيه الحسين عليه السّلام: أدركني، فلمّا أتاه رآه صريعا فبكى و حمله إلى الخيمة. ثمّ قالوا: و لمّا قتل العبّاس عليه السّلام قال الحسين عليه السّلام: الآن انكسر ظهري و قلّت حيلتي . قال ابن شهرآشوب: ثمّ برز القاسم بن الحسن و هو يرتجز:
إن تنكروني فأنا ابن حيدرة *** ضرغام آجام و ليث قسورة
على الأعادي مثل ريح صرصرة *** أكيلكم بالسيف كيل السندرة
و ذكر هذا بعد أن ذكر القاسم بن الحسن سابقا و فيه غرابة . قالوا: ثمّ تقدّم عليّ بن الحسين عليهما السّلام. و قال محمّد بن أبي طالب و أبو الفرج: و امّه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي، و هو يومئذ ابن ثماني عشرة سنة . و قال ابن شهرآشوب: و يقال: ابن خمس و عشرين سنة قالوا: و رفع الحسين عليه السّلام سبّابته نحو السماء و قال: اللهمّ اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا و خلقا و منطقا برسولك، كنّا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إلى وجهه، اللهمّ امنعهم بركات الأرض، و فرّقهم تفريقا، و مزّقهم تمزيقا، و اجعلهم طرائق قددا، و لا ترض الولاة عنهم أبدا، فإنّهم دعونا لينصرونا ثمّ عدوا علينا يقاتلوننا. ثمّ صاح الحسين عليه السّلام بعمر بن سعد: مالك؟ قطع اللّه رحمك، و لا بارك اللّه لك في أمرك، و سلّط عليك من يذبحك بعدي على فراشك كما قطعت رحمي و لم تحفظ قرابتي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، ثمّ رفع الحسين عليه السّلام صوته و تلا: «إِنَّ اَللّٰهَ اِصْطَفىٰ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْرٰاهِيمَ وَ آلَ عِمْرٰانَ عَلَى اَلْعٰالَمِينَ. `ذُرِّيَّةً بَعْضُهٰا مِنْ بَعْضٍ وَ اَللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» ثمّ حمل عليّ بن الحسين عليهما السّلام على القوم و هو يقول:
أنا عليّ بن الحسين بن عليّ *** من عصبة جدّ أبيهم النبيّ
و اللّه لا يحكم فينا ابن الدعيّ *** أطعنكم بالرمح حتّى ينثني
أضربكم بالسيف أحمي عن أبي *** ضرب غلام هاشميّ علويّ
فلم يزل يقاتل حتّى ضجّ الناس من كثرة من قتل منهم. و روي: أنّه قتل على عطشه مائة و عشرين رجلا، ثمّ رجع إلى أبيه و قد أصابته جراحات كثيرة، فقال: يا أبه العطش قد قتلني، و ثقل الحديد أجاهدني، فهل إلى شربة من ماء سبيل أتقوّى بها على الأعداء؟ فبكى الحسين عليه السّلام و قال: يا بنيّ يعزّ على محمّد صلّى اللّه عليه و آله و على عليّ بن أبي طالب و عليّ أن تدعوهم فلا يجيبوك، و تستغيث بهم فلا يغيثوك، يا بنيّ هات لسانك، فأخذ [ب] لسانه فمصّه و دفع إليه خاتمه، و قال عليه السّلام: أمسكه في فيك و ارجع إلى قتال عدوّك فإنّي أرجو أنّك لا تمسي حتّى يسقيك جدّك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا، فرجع إلى القتال و هو يقول:
الحرب قد بانت لها الحقائق *** و ظهرت من بعدها مصادق
و اللّه ربّ العرش لا نفارق *** جموعكم أو تغمد البوارق
فلم يزل يقاتل حتّى قتل تمام المائتين، ثمّ ضربه منقذ بن مرّة العبدي لعنه اللّه على مفرق رأسه ضربة صرعته، و ضربه الناس بأسيافهم، ثمّ اعتنق صلوات اللّه عليه فرسه فاحتمله الفرس إلى عسكر الأعداء فقطّعوه بسيوفهم إربا إربا. فلمّا بلغت الروح التراقي قال رافعا صوته: يا أبتاه هذا جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبدا و هو يقول: العجل العجل فإنّ لك كأسا مذخورة حتّى تشربها الساعة، فصاح الحسين عليه السّلام و قال: قتل اللّه قوما قتلوك، ما أجرأهم على الرحمن و على رسوله، و على انتهاك حرمة الرسول،(بني) على الدنيا بعدك العفا. قال حميد بن مسلم: فكأنّي أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنّها الشمس الطالعة تنادي بالويل و الثبور و تقول: يا حبيباه يا ثمرة فؤاداه، يا نور عيناه! فسألت عنها، فقيل: هي زينب بنت علي عليهما السّلام، و جاءت و انكبّت عليه فجاء الحسين عليه السّلام و أخذ بيدها فردّها إلى الفسطاط، و أقبل صلوات اللّه عليه بفتيانه، و قال: احملوا أخاكم فحملوه من مصرعه فجاءوا به حتّى وضعوه عند الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه . و قال المفيد و ابن نما بعد ذلك: ثمّ رمى رجل من أصحاب عمر بن سعد يقال له: عمرو بن صبيح عبد اللّه بن مسلم بن عقيل بسهم فوضع عبد اللّه يده على جبهته يتّقيه فأصاب السهم كفّه و نفذ إلى جبهته فسمّرها به، فلم يستطع تحريكها، ثمّ انحنى عليه آخر برمحه فطعنه في قلبه فقتله. و حمل عبد اللّه بن قطبة الطائيّ على عون بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب عليه السّلام فقتله، و حمل عامر بن نهشل التميميّ على محمد بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب عليه السّلام فقتله، و شدّ عثمان بن خالد الهمداني على عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب فقتله . و قال أبو الفرج في المقاتل: حدّثني أحمد بن سعيد، عن يحيى بن الحسن، عن بكر بن عبد الوهّاب، عن إسماعيل بن أبي زياد بن إدريس، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السّلام: إنّ أوّل قتيل قتل من ولد أبي طالب مع الحسين ابنه عليّ عليه السّلام. و حدّثني أحمد بن سعيد، عن يحيى بن الحسن، عن غير واحد، عن محمّد بن أبي عمير ،عن أحمد بن عبد الرحمن البصريّ، عن عبد الرحمن بن مهديّ، عن حمّاد بن سلمة، عن سعيد بن ثابت قال: لمّا برز عليّ بن الحسين عليهما السّلام إليهم، أرخى الحسين عليه السّلام عينيه فبكى ثمّ قال: اللهمّ فكن أنت الشهيد عليهم، فقد برز إليهم غلام أشبه الخلق برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فجعل يشدّ عليهم ثمّ يرجع إلى أبيه فيقول: يا أبه الطش، فيقول له الحسين عليه السّلام: اصبر حبيبي فإنّك لا تمسي حتّى يسقيك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بكأسه، و جعل يكرّ كرّة بعد كرّة، حتّى رمي بسهم فوقع في حلقه فخرقه و أقبل يتقلّب في دمه ثمّ نادى: يا أبتاه عليك السلام هذا جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقرؤك السلام و (هو): يقول: عجّل القدوم علينا ،و شهق شهقة فارق الدنيا عليه السّلام . قال أبو الفرج: عليّ بن الحسين هذا هو الأكبر و لا عقب له، و يكنّى أبا الحسن، و امّه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفيّ، و هو أوّل من قتل في الوقعة، و إيّاه عنى معاوية في الخبر الذي حدّثني به محمّد بن محمّد بن سليمان، عن يوسف بن موسى القطّان، عن جرير، عن مغيرة قال: قال معاوية: من أحقّ الناس بهذا الأمر؟ قالوا: أنت، قال: لا، أولى الناس بهذا الأمر عليّ بن الحسين بن عليّ عليهم السّلام جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و فيه شجاعة بني هاشم، و سخاء بني اميّة، و زهو ثقيف. و قال يحيى بن الحسن العلويّ: و أصحابنا الطالبيّون يذكرون أنّ المقتول لأمّ ولد، و أنّ الذي امّه ليلى هو جدّهم، و ولد في خلافة عثمان ثمّ قالوا: و خرج غلام من تلك الأبنية و في اذنيه درّتان و هو مذعور، فجعل يلتفت يمينا و شمالا و قرطاه يتذبذبان، فحمل عليه هانئ بن ثبيت لعنه اللّه فقتله، فصارت شهربانو تنظر إليه و لا تتكلّم كالمدهوشة. ثمّ التفت الحسين عليه السّلام عن يمينه فلم ير أحدا من الرجال، و التفت عن يساره فلم ير أحدا، فخرج عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما السّلام و كان مريضا لا يقدر أن يقلّ سيفه، و أمّ كلثوم تنادي خلفه: يا بنيّ ارجع، فقال: يا عمّتاه ذريني اقاتل بين يدي ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال الحسين عليه السّلام: يا أمّ كلثوم خذيه لئلاّ تبقى الأرض خالية من نسل آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله. و لمّا فجع الحسين عليه السّلام بأهل بيته و ولده، و لم يبق غيره و غير النساء و الذراري نادى: هل من ذابّ يذبّ عن حرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟ هل من موحّد يخاف اللّه فينا؟ هل من مغيث يرجو اللّه في إغاثتنا؟ و ارتفعت أصوات النساء بالعويل، فتقدّم إلى باب الخيمة فقال: ناولوني عليّا ابني الطفل حتّى اودّعه، فناولوه الصبيّ . و قال المفيد «ره»: دعا ابنه عبد اللّه . قالوا: فجعل يقبّله و هو يقول: ويل لهؤلاء القوم إذا كان جدّك محمد المصطفى خصمهم، و الصبيّ في حجره، إذ رماه حرملة بن كاهل الأسديّ لعنه اللّه بسهم فذبحه في حجر الحسين عليه السّلام، فتلقّى الحسين عليه السّلام دمه حتّى امتلأت كفّه ثمّ رمى به إلى السماء. و قال السيّد: ثمّ قال: هوّن عليّ ما نزل بي أنّه بعين اللّه. قال الباقر عليه السّلام: فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض . قالوا: ثمّ قال: لا يكون أهون عليك من فصيل، اللهمّ إن كنت حبست عنّا النصر، فاجعل ذلك لما هو خير لنا.